| ||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||
منوعات | ||||||||||||||||||||||||||||
|
كيف تخطّط “ناسا” لإذابة صخور القمر والبناء على المريخ؟
![]() الوسط اللبنانية | العدد التجريبي: 3823 | 26-05-2023 |
08:37
![]() كلّما زاد الإنسان سقف طموحاته ارتفع حجم تحدّياته. الوصول إلى القمر وعلى الأرجح لاحقاً إلى المرّيخ طموح قويّ بحدّ ذاته. فكيف الحال إذا كان الإنسان يفكّر في بناء هياكل وموائل على سطحهما؟ التحدّيات كبيرة، لكنّ “ناسا” وشركات التكنولوجيا متحمّسة. لكن ثمّة أنباء أفضل. لا يتعلّق الأمر بطموحات مجرّدة. لا تنحصر إيجابيّات البناء على سطحي القمر والمرّيخ بفوائد محدودة يستفيد منها علم الفضاء فقط. في الواقع، قد تسمح التقنيّات الجديدة بتطوير هندسة البناء على الأرض إلى حدّ إطلاق ثورة في هذا القطاع. كيف؟ تقرير في مجلّة “وايرد” يلقي الضوء: في حزيران، سيدخل طاقم مكوّن من أربعة أفراد حظيرة للطائرات في مركز جونسون للفضاء التابع لـ”ناسا” في هيوستن (تكساس) ويقضي عاماً واحداً داخل مبنى مطبوع بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد. داخل “مارس دْيون ألفا” الذي تبلغ مساحته 158 متراً مربعاً، ثمّة مساكن للطاقم ومساحة معيشة مشتركة ومساحات مخصّصة لتأمين الرعاية الطبية وتنمية الزراعة الغذائية. تمّ تصميم هندسته من “مجموعة بيغ بياركه إنغلز” وطباعته من “آيكُن تكنولوجي”. ستركّز التجارب داخل البنية على التحدّيات الصحّيّة الجسديّة والسلوكيّة التي سيواجهها الأشخاص خلال فترات الإقامة الطويلة في الفضاء. لكنّ البنية هي أيضاً أول هيكل تم إنشاؤه لمهمة “ناسا” من قبل فريق “تكنولوجيا البناء الكوكبيّ المستقلّ من القمر إلى المرّيخ” (أم.أم. باكت) والذي يستعدّ الآن لأوّل مشاريع البناء على جسم كوكبيّ خارج الأرض. لماذا لا نحمل مواد البناء من الأرض؟ عندما ستعود البشرية إلى القمر كجزء من برنامج “أرتميس” التابع لوكالة ناسا، سوف يعيش روّاد الفضاء أوّلاً في محطة فضائيّة تدور حول الأرض أو على مركبة هبوط قمريّة أو في مساكن قابلة للنفخ. لكن فريق “أم.أم.باكت” يستعد لبناء هياكل مستدامة وطويلة الأمد. لتجنب التكلفة العالية لشحن المواد من الأرض والتي تتطلب صواريخ ضخمة ونفقات وقود، سيعني هذا استغلال الثرى الموجود بالفعل وتحويله إلى عجينة يمكن طباعتها ببعد ثلاثيّ ثلاثية على شكل طبقات رقيقة أو أشكال مختلفة أخرى. من المقرّر مبدئياً تنفيذ أول مشروع خارج الكوكب في أواخر 2027. بالنسبة إلى هذه المهمة، ستقوم ذراع آليّة مع مغرفة بفرز وتكديس الثرى، كما يقول المحقق الرئيسي كوركي كلينتون. ستركز المهام اللاحقة على استخدام المجارف شبه المستقلة والآلات الأخرى لبناء أماكن المعيشة والطرق والبيوت الزراعية الزجاجية ومحطات الطاقة والدروع الواقية من الانفجار التي ستحيط بمنصات إطلاق الصواريخ. تقول قائدة فريق “أم.أم.بكات” جينيفر إدمونسون إنّ الخطوة الأولى نحو الطباعة الثلاثية الأبعاد على القمر ستشمل استخدام الليزر أو الموجات الدقيقة لإذابة الثرى. ثم ينبغي التبريد للسماح للغازات بالخروج؛ قد يؤدّي عدم القيام بذلك إلى ترك المادة مليئة بالثقوب مثل الإسفنج. يمكن بعد ذلك طباعة المادة بناء على الأشكال المرغوبة. لا يزال تحديد كيفية تجميع القطع النهائيّة يخضع للبحث. لإبقاء رواد الفضاء بعيدين من الأذى، تقول إدمونسون إنّ الهدف هو جعل البناء مستقلاً بمقدار ما أمكن لكنّها تضيف: “لا يمكنني استبعاد استخدام البشر لصيانة وإصلاح معداتنا الواسعة النطاق في المستقبل”. التحدّي الأوّل أحد التحدّيات التي يواجهها الفريق الآن هو كيفية تحويل الثرى القمريّ إلى مادّة بناء قويّة بما يكفي ودائمة بما يكفي لحماية حياة الإنسان. من ناحية، وبالنظر إلى أن مهمّات “أرتميس” المستقبلية ستكون بالقرب من القطب الجنوبيّ للقمر، فقد يحتوي الثرى على الجليد. ومن ناحية أخرى، ليس الأمر كما لو أن لدى وكالة “ناسا” أكواماً من غبار وصخور القمر الحقيقية للقيام بالتجارب. لديها فقط عيّنات من مهمة أبولو 16. لذا يتعيّن على فريق “أم أم باكت” أن يصنع نسخاً اصطناعيّة خاصّة به. تحتفظ إدمونسون بدلاء في مكتبها من نحو اثني عشر مزيجاً لما تتوقّع “ناسا” العثور عليه على القمر. مع ذلك، بينما يشعر الفريق بإمكانية القيام “بعمل جيّد إلى حد معقول” لمطابقة الخصائص الجيوكيميائيّة للثرى، كما تقول كلينتون، فإنّه من الصعب جداً تكوين الخصائص الجيوتقنيّة، أي شكل القطع الصغيرة المختلفة من الركام، بما أنّها تشكّلت عن طريق اصطدامات النيازك وكل ما ضرب القمر على مدى 4 مليارات سنة كما أوضحت. المجهول ثمّة عوامل مجهولة أخرى يجب أخذها في الاعتبار عند البناء على القمر حيث يمكن أيضاً أن تحدث الكثير من الأخطاء. الجاذبيّة أضعف بكثير، وثمة فرصة لحدوث زلازل يمكن أن تولّد اهتزازات لمدّة تصل إلى 45 دقيقة. كما قد تصل درجات الحرارة في القطب الجنوبيّ إلى 55 درجة مئوية في ضوء الشمس وقد تنخفض إلى ناقص 240 درجة في الليل. يمكن لغبار القمر الكاشط أن يسدّ مفاصل الآلات ويعرقل عمل المعدّات مع صرير مزعج. وأظهر بناء “مارس ديون ألفا” مجهولاً أكبر: لم يُعد الجنس البشريّ قط عيّنة من تربة المريخ إلى الأرض لذلك كان على “آيكن” محاكاة المادة بناءً على تنبّؤات بتكوينها – مثل كونها غنيّة بالبازلت. يقول جيسون بالارد، الرئيس التنفيذي لناسا، إنّ الجزء الأكثر أهمية لمسؤولي الوكالة هو جعل لون تربة المرّيخ متطابقاً بشكل صحيح من أجل تقليد ما سيكون عليه العيش على الكوكب الأحمر بدقة. ويقول إن الطباعة الثلاثية الأبعاد للهيكل استغرقت شهراً واحداً. “مارس ديون ألفا” هو الهيكل الأول الذي بنته “أيكون” بسقف ثلاثي الأبعاد. آفاق جديدة قال بالارد لـ “وايرد” عبر البريد الإلكتروني: “سيكون بناء أول منزل للبشرية على كوكب آخر أحد أكثر مشاريع البناء طموحاً في تاريخ البشرية وسيدفع التكنولوجيا والهندسة والعلوم والهندسة المعمارية إلى آفاق جديدة”. تمتلك شركة “آيكن” أيضاً عقداً بقيمة 57.2 مليون دولار أمريكي من وكالة ناسا للبحث في مجال البناء على سطح القمر وتطويره. كجزء من هذا الجهد، فوّضت الشركة دراسة الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه قاعدة مبنيّة على القمر في السنوات العشر المقبلة. تتصور التصاميم التي تم أنشأتها “مجموعة بجاركه إنغلز” بتكليف من “آيكن” مجموعة من الهياكل الدائريّة الشكل مع قشرة خارجية صلبة يمكن أن تحمي طاقماً مكوناً من أربعة أفراد من النيازك والزلازل القمريّة والإشعاع وتقلبات درجات الحرارة السريعة. تشكّل تجارب ذوبان الثرى في الغرف المفرغة الجزء الأكبر من أبحاث بناء الموائل القمرية اليوم لدى “آيكن”. تحاكي هذه الغرف الظروف المنعدمة الهواء على القمر وتسمح للباحثين باختبار الظروف الحراريّة القصوى. يقول بالارد، “نعتقد أنّنا نجحنا في وضع الأنظمة الميكانيكيّة الرئيسيّة”. ويحاول الخبراء الآن تحقيق توازن بين قوة المادة وهشاشتها وتحقيق مظهر يسميه “الخزف القمري”. إعداد التكنولوجيا… والبروفة أهم المتغيرات في عملية الاختبار هذه هي إعدادات طاقة الليزر ومدة السماح بالتبريد والتركيبة الجيوكيميائية للثرى والتي قد تختلف بناءً على الموقع. يقول بالارد إنّ المواد المختلفة لها درجات حرارة انصهار مختلفة، لذلك “لا يمكنك فقط الظهور والتفجير بالليزر بنفس الطاقة بصرف النظر عن مكان وجودك، ولا يمكنك تبريده بنفس المعدل”. في 2024، سيختبر فريق “أم أم باكت” أيضاً قدراته على إذابة الثرى في غرفة مفرغة باستخدام الليزر أو الموجات الدقيقة. وسيختبر أيضاً الطباعة الثلاثية الأبعاد بدءاً بصنع قطع من وسادة الهبوط داخل غرفة التفريغ. تقول إدمونسون إن تقنية البناء هذه “ستكون مستقبل كلّ شيء” مبني على سطح القمر، “لكنّنا الآن نركز على منصات الهبوط لأنّ هذا هو الأهم من حيث سلامة البنية التحتية على سطح القمر وكيفية حمايتها”. تقول إدمونسون إن بناء منصّات الهبوط سيكون أمراً بالغ الأهمّية لمنع الغبار الذي تسببه المركبات الفضائية من إلحاق الضرر بالهياكل المهمة مثل الدروع الإشعاعية والمرائب والطرق أو من تقليل نطاق الرؤية. إن إطلاق محرك صاروخي على سطح القمر بدون منصة هبوط يمكن أن يرسل جزيئات إلى المدار قد تلحق الضرر بالأقمار الاصطناعيّة أو المركبة المداريّة “لونار غَيتواي” التي تعتزم “ناسا” بناءها كمحطة طريق لزيارة رواد الفضاء. بعد عام تقريباً من الآن، سيجري فريق “أم أم باكت” بروفة لبعثة القمر المخطط لها سنة 2027. مرّة أخرى باستخدام غرفة التفريغ، سيضعون الذراع الآلية مع مغرفة فوق سرير من الثرى المحاكى بحجم صندوق رملي للأطفال. سيكون الهدف هو اختبار قدرات الفرز والغرف في ظروف تشبه ظروف القمر؛ سوف يتركون صخوراً مقلدة عمداً في طريق الغرف أثناء محاولة جمع الثرى. إذا كانت الصخرة كبيرة جداً، فسيتوجب أن يعمل الحفار حولها، ولكن إذا كانت بحجم المغرفة أو أصغر، فيجب فرزها إلى أكوام من المواد، كومة مناسبة للذوبان وأخرى للنفايات. ثورة في عالم البناء؟ قد يساعد تعلّم كيفية البناء على القمر في تمكين أول مهمّة بشريّة إلى المريخ. ولكن اكتشاف كيفيّة تشييد المباني في ظل ظروف قاسية باستخدام الموادّ المتاحة يمكنه أيضاً أن يكون مفيداً للغاية على الأرض. إحدى الطرق هي تحقيق تقدم في بدائل الخرسانة. تصنع الخرسانة من مواد مثل الحجر الجيري والرمل وتترابط مع الأسمنت. إن صناعة الأسمنت عملية ملوِّثة حيث تمثل 8 في المئة من البصمة الكربونيّة العالمية. كما أنها ثقيلة الوزن ممّا يجعلها غير مناسبة للبناء خارج الأرض. تريد شركة مقرّها تينيسي تسمى “براند تكنولوجي” البدء في استخدام البروتينات كبديل للأسمنت، من أجل إنشاء مادّة بناء تزن عُشر وزن الخرسانة فقط. من خلال شراكة مع جامعة ستانفورد ومركز أبحاث “أميس” التابع لوكالة ناسا، تخطّط الشركة لبناء هياكل مع الثرى القمريّ المتماسك مع بروتينات الأبقار المهندسة وراثيّاً لربط التربة القمريّة أو المريخية. اختبروا مادتهم على متن محطة الفضاء الدولية الصيف الماضي. قال الرئيس التنفيذيّ السابق لشركة “برانش تكنولوجي” بلات بويد في عرض الشركة للموئل القمريّ الخريف الماضي، “إذا كان هذا يمكن أن يصبح بديلاً ملموساً، فإنّ التطبيقات لا تعد ولا تحصى وأقل تلويثاً بكثير من العمليّات الملموسة الموجودة الآن”. قد يوفّر النهج الخالي من الأسمنت أيضاً حلولاً للأشخاص في أماكن على الأرض حيث يتم استيراد الخرسانة لمشاريع البناء. تقول إدمونسون: “ذوبان البازلت على القمر وذوبان البازلت في هاواي – كما تعلمون، الأمر لا يختلف كثيراً”. وعلى نطاق أوسع، قد يساعد علم موائل الفضاء للطباعة الثلاثيّة الأبعاد في جعل بناء المساكن على الأرض أرخص وأسرع. هذا الأسبوع، تطلق “آيكن” مسابقة بقيمة مليون دولار من أموال الجائزة التي تتحدّى الفرق كي تصمّم منازل مطبوعة بطريقة الأبعاد الثلاثية ولا تزيد تكلفتها عن 99000 دولار. يقول رئيس برنامج “برانش تكنولوجي” للبناء على القمر ديفيد غودلو إن البناء ضمن بيئة تقومون فيها بتقليل المدخَلات وبتعظيم استخدام ما هو متاح يفتح مجالات للابتكار الجديد. المصدر: الوسط اللبنانية ووكالات ![]()
|