| ||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||
الوسط الاقتصادي والتكنولوجي | ||||||||||||||||||||||||||||
|
جيوبوليتيك الطاقة والنزاع في جنوب القوقاز الوسط اللبنانية | العدد التجريبي: 4362 | 11-05-2024 |
09:15
جيوبوليتيك الطاقة والنزاع في جنوب القوقاز صحيفة الجمهورية – جون الفغالي تُعتبر منطقة جنوب القوقاز التي تقع عند مفترق طرق بين أوروبا وآسيا، غنية بالموارد الطبيعية بما فيها من نفط وغاز طبيعي، مع الإشارة إلى أنّ تاريخ هذه المنطقة مليء بالنزاعات المعقّدة التي غالبًا ما ترتبط بالسيطرة على تلك الموارد. من المعلوم أنّ ديناميكيات أمن الطاقة تلعب دورًا رئيساً في تشكيل العلاقات الإقليمية والتحالفات المتغيّرة، حيث تسعى القوى المحلية والدولية إلى تأمين مصالحها في مجال الطاقة. من هنا تبرز أهميّة التطرّق إلى الدور الذي يلعبه خط أنابيب باكوـ تبليسي ـ جيهان (BTC Pipeline) في رسم خريطة أمن الطاقة في منطقة جنوب القوقاز، كما وإلى الإهتمام الروسي والأميركي في نفط المنطقة وغازها، مع التركيز خصوصاً على استبعاد أرمينيا وتداعياته. حقول النفط المكتشفة لم يكن التنافس على موارد الطاقة في جنوب القوقاز جلياً في المراحل السابقة. فخلال الحقبة السوفياتية، كانت المنطقة بكاملها تقع تحت سيطرة الإتحاد السوفياتي، الأمر الذي أدّى إلى توحيد وحصر السيطرة على إنتاج وتصدير النفط والغاز فيها. ومع انهيار الإتحاد السوفياتي في العام 1991، حصلت دول جنوب القوقاز الثلاث أذربيجان وجورجيا وأرمينيا على الإستقلال. بحيث أدّى هذا التحول الجيوسياسي إلى إعادة رسم الحدود الوطنية لهذه الدّول وفتح المجال أمام اكتشاف حقول نفط وغاز جديدة. فشكّل اكتشاف حقل النفط العملاق أذربيجان ـ شيخ زايير في أوائل التسعينات نقطة تحوّل جوهريّة، الأمر الذي عزّز بمقدار كبير إمكانات أذربيجان وحوّلها مصدراً رئيسياً للطاقة في المنطقة. لعبة انتظار جيوسياسية مع ظهور كيانات سياسية جديدة في جنوب القوقاز، برزت قوى إقليمية ودولية مختلفة تتنافس على بسط النفوذ في سوق الطاقة الناشئة. بحيث سعت تركيا، في اعتبارها جارة إقليمية لها علاقات تاريخية وحضارية وثقافية مع أذربيجان، إلى تأمين وصولها إلى موارد الطاقة في بحر قزوين. على الجانب الآخر، حافظت روسيا على نفوذ كبير في المنطقة بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطها بأرمينيا وجورجيا اللتين كانتا جمهوريتين سوفياتيتين سابقتين. بالإضافة إلى ذلك، دخلت كل من الولايات المتحدة الأميركيّة والإتحاد الأوروبي إلى حلبة المنافسة، حيث سعى كل منهما إلى تقليل إعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة الروسية وتعزيز الإستقرار الإقليمي. تغيير قواعد اللعبة في منتصف التسعينيات، برز مشروع خط أنابيب باكو ـ تبليسي ـ جيهان (BTC) كمحور رئيسي لأمن الطاقة في جنوب القوقاز، والذي بدأ تشغيله عام 2006. تعتبر أهمّ أهداف هذا الخط الذي يمتد بطول 1768 كيلومترًا، إيصال النفط من بحر قزوين إلى البحر المتوسّط، وذلك من خلال نقل النفط الخام المنتج في حقول النفط الأذربيجانية عبر جورجيا إلى ميناء «جيهان» التركي المطلّ على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وكان إنشاء خط الأنابيب هذا بمثابة إنجاز هندسي كبير، حيث تطلّب مروره عبور تضاريس جبلية وعقد صفقات مع حكومات متعدّدة. الأهم من ذلك، أنّه مثّل تحوّلًا جيوسياسيًا رئيساً، حيث قلّل من اعتماد أذربيجان على البنية التحتية الروسية لتصدير النفط، وفتح ممرًا جديدًا لمصادر الطاقة إلى الأسواق العالمية. من ناحية أخرى، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الخطّ قد أُنشئ بدعم أميركي، ممّا يوضح إستراتيجية أميركا النفطية في المنطقة، التي تهدف في جزء منها إلى إمكانيّة ربط نفط شرق المتوسط وغازه (ومن بينه الغاز اللبناني) بهذا الخط عبر منطقة «جيهان» التركية، الأمر الذي يتيح نقل النفط والغاز بكميّة كافية إلى القارة الأوروبيّة. تعتمد هذه الإستراتيجيّة على جمع مصالح حلفاء الولايات المتحدة الأميركيّة في شرق المتوسط وجنوب القوقاز، من خلال خلق مصالح إقتصاديّة مشتركة بين هذه الدول (وهذا ما يتضّح أكثر من خلال إتفاقات الغاز المشتركة التي تتبلور في المنطقة، وكذلك من خلال نشاط الشركات البترولية الأميركية في شرق المتوسط وخصوصاً في قبرص وإسرائيل). ردّ فعل روسيا غزت روسيا أوسيتيا الجنوبية عام 2008، مهدِّدة بذلك جورجيا المتحالفة مع الولايات المتحدة الاميركية. ولعلّ أبرز اهداف هذه الخطوة كانت وقف تطلعات جورجيا الساعية للإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي («الناتو») وإعادة تأكيد السيطرة الروسية في المنطقة. كما أظهرت هذه الحرب نيّة روسيا في القضاء على خط النفط باكو ـ تبليسي ـ جيهان نظراً لما يشكّله من خطر على أمن الطاقة الروسي في جنوب القوقاز وشرق المتوسط. وفي هذا المجال، فقد عزز ردّ فعل الغرب الضعيف موقف روسيا. عزلة أرمينيا تتحالف أرمينيا، التي لديها مظالم تاريخية مع كل من أذربيجان وتركيا، مع روسيا. فبسبب هذه النزاعات، تمّ استبعاد أرمينيا من تعاون مجموعة تركيا وأذربيجان وجورجيا، فهي لا تزال تعتمد بمقدار كبير على الدعم الروسي. في هذا السياق، شهدت حرب «آرتساخ» الأخيرة إستعادة أذربيجان للأراضي بدعم تركي كبير، كما أثار دور روسيا في إتفاقية وقف إطلاق النار تساؤلات حول ولاءاتها الحقيقية. يجادل البعض في أنّ روسيا تهدف إلى إضعاف قيادة أرمينيا والضغط من أجل قيام حكومة أرمينية موالية لها. كذلك، ومن خلال السماح لأذربيجان بكسب الأراضي، أشارت روسيا إلى هيمنتها ووضعت نفسها كضامن حيوي للأمن لأرمينيا. ممر «لاتشين» ومعضلة أمن الطاقة يمكن أن يكون إدراج أرمينيا في خطط الطاقة في المنطقة مفيدًا إقتصاديًا لجميع الأطراف. إذ يمثل ممر «لاتشين»، الذي يخضع حاليًا للسيطرة الروسية، مسارًا محتملًا لخط الأنابيب في المستقبل. ومع ذلك، فإنّ الوجود الروسي يثير المخاوف، فقد تتضاءل المكاسب الإقتصادية لأرمينيا بسبب سيطرة روسيا على البنية التحتية لخطوط الأنابيب تلك. وضع محفوف بالمخاطر يجسّد الوضع الحالي تعاون كل من تركيا وأذربيجان وجورجيا ويقلّل من نفوذ روسيا. ومع ذلك، فإنّ المناورات العسكريّة الروسية، بما في ذلك وقف إطلاق النار في حرب «آرتساخ»، تهدف إلى إستعادة السيطرة. تواجه أرمينيا خيارًا صعبًا: فإمّا قبول مكاسب إقتصادية محدودة تحت السيطرة الروسية أو متابعة سياسة خارجية أكثر إستقلالاً. يعتمد مستقبل جنوب القوقاز على الخطوات التالية لأرمينيا، كما وعلى إستعداد القوى الإقليمية لاستيعاب ادراجها. فاليوم، ومع تطور مفاوضات السلام بين أذربيجان وأرمينيا ومع إحتمال إنضمام أرمينيا إلى الإتحاد الأوروبي، كيف ستتطور الأمور؟ وماذا سيكون موقف القوى الإقليميّة وبالأخصّ تركيا وروسيا؟ المصدر: الوسط اللبنانية ووكالات
|