| ||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||
تحقيق | ||||||||||||||||||||||||||||
|
خير الدين التونسي رائد الاصلاح الديني والسياسي (صالح حامد) الوسط اللبنانية | العدد التجريبي: 4361 | 24-06-2024 |
16:47
خير الدين التونسي... رائد الإصلاح الديني والسياسي
أهمية البحث :
يعتبر خير الدين التونسي من الشخصيات التي أثْرَتْ عالمَ الفكِر والمعرفة، فسيرتُه أضافتْ إلى المكتبة العامة قيمةً وقِيَماً علميةً وفلسفيةً تغني الباحثَ بمخزونٍ زاخر من الخبرات والتجارب الميدانية، وتأخذ بيديه إلى خيره وصلاحه وإصلاح ذاتيته، وإلى تكوين شخصية وطنية نقية.
فالكثير من المفكرين رأى في خير الديني أحدَ أعمدِ الإصلاح الديني والسياسي والإداري في تونسَ والعالم العربي والإسلامي بالقرن التاسع عشر، وبات مرجعاً تتجسّد فيه القوة والقدوة الحسنة، حتى لقّبه البعضُ ( أبو النهضة التونسية )، وذلك لمناقبيته في إنقاذ تونس من الإفلاس المالي والفساد الإداري والانحطاط السياسي. فقاد خير الدين تونس في لحظة تاريخية مفصلية شهِدَ له بذلك حلفاؤه وخصماؤه.
فسيرتُه الذاتية الاستثنائية شكّلت مادةً تربويةً بأبعادها الأكاديمية لكل قارئٍ وباحث ومثقف، وهنا تكمن أهمية البحث في ظاهرة خير الدين وما أفاض به من أفكارٍ وآراءٍ وطروحات ومبادرات اتسمت بالإنقاذية والإصلاحية والتجددية بلمسات حداثية تطويرية.
فالسياسة النقدية والفلسفة التوفيقية التي انتهجها في عملية التقارب بين الشرق والغرب عبر الاستفادة من علوم الغرب التي أعجب بها، ورأى فيها مدخلاً لتطوير المجتمعات العربية والإسلامية، جعلته أكثر انفتاحاً على كل ما فيه خير وصلاح للأمة والمجتمع، متجاوِزاً الكثير من جُدُر الموروث الديني، فدعا إلى مراجعته ونقده بما يتلاءم مع روحية العصر.
ترجم خيرُ الدين أفكارَه في كتابٍ أصدره خلال عزلته السياسية، وهو كتابه الشهير " أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك " سنة 1867، نظَمَ فيه رؤيتَه الإصلاحية المتكاملة، وهدف منه إلى كيفية النهوض بالعالم العربي والإسلامي، وتحضيره للولوج رويداً رويداً إلى عالم الحداثة، مع الحفاظ على الهُوية الذاتية بمكنوزها العقائدي والفقهي والحضاري.
فلا شك أن سيرته السياسية والفكرية التجددية تستحق سبرَ أغوارها، واستلهام العِبَر من ثنايا المراحل التي نبتت فيها شخصيته الاستثنائية من الاعتقال والرق والبيع حتى ارتقاء أعلى منصب إداري في تونس والإستانة .
إشكالية البحث :
ـ هل نجح في إدارة تونس خلال فترة حكمه ورئاستها؟ وكيف ترجم أفكارَه الإصلاحية خلال فترة حكمه؟
ـ هل نال ثقة الطبقة الحاكمة العثمانية والتوانسة ؟
ـ ما حقيقة علاقة خير الدين مع رجال الدين في عصره، التي اعتراها بعض الشوائب من الخصام وعدم الانسجام وما بين والتوافق والدفاع ؟
ـ شذرات من أفكاره الإصلاحية في الإطار الديني والسياسي والفكري، بين القبول والاتهام. وما هي العوامل التي بلورت شخصية خير الدين الإصلاحية؟
الفرضيات :
ـ إثبات صوابية الطرح السياسي عند خير الدين
ـ التحوّلات الإيجابية في أفكار وآراء خير الدين التونسي
ـ الظلم السياسي ضد شخصية خير الدين ألجأته للعزلة
ـ كتاب ( أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ) نثر فيه شذرات من إيديولوجياته السياسية والفكري، الداعية إلى حركة إصلاحية وطنية جامعة
المنهج :
المنهج الذي سوف أسالكه هو تتبع البحث هو المنهج التجريبي والذي يساهم في الوصول الى النتائج الصحيحة وأكثرها دقة، باعتباره يعتمد على اكتشاف وفحص العلاقات بين المتغيرات البحثية، مما يساعد على استخراج النتائج الدقيقة، يعتبر هذا المنهج من أكثر مناهج البحث العلمي مرونةً، الذي لا يوجد في مكان للتحيز والأهواء الشخصية، وهذا ما يميز التجريبي عن غيره .
المباحث الرئيسية التي سوف نناقشها في بحثنا المقترح، وهي تقوم على ثلاثة مباحث ركيزية :
المبحث الأول : خير الدين التونسي ومرحلة التكوين والسلطة
المبحث الثاني : أفكاره وآراؤه، جدل وحقائق
المبحث الثالث : مؤلفاته وحركته الإصلاحية
المبحث الأول : خير الدين التونسي، ومرحلة التكوين (من الرق حتى ارتقاء السلطة الزمنية).
في أُولى مراحل التعقّل من طفولته رأى نفسه عبداً مملوكاً لدى أسرة تركية أرستقراطية معروفة في الأوساط الإدارية، وهي عائلة " تحسين بيك " العثمانية، حيث تربى في كنفها ونال منها القسط الأكبر في التكوين العمري والثقافي في بداية المرحلة الأولى من نشأته، فأولاه العنايةَ والرعاية، وهنا ظهرت عنده علامات النباهة والذكاء، فلم يلبث وقتاً طويلاً بعدها حتى عرضَه سيدُه تحسين بيك في سوق الرقيق، فكان من نصيب حاكم تونس أحمد باشا عبر أحد الوسطاء التوانسة، متوسماً فيه فراسة المستقبل، فأستقر خير الدين في تونس بقصر الحاكم، فقربه منه ومنحه مكارمَ العلم ومفاتيح السياسة ومناصبها العليا، لِما رأى من كياسته وصدق أمانته وشجاعته وفراسته .
فخير الدين ليس تونسياً من حيث الحسب والنسب والجذور والمنبَت، فهو شركسي الأصل من جبال القوقاز، تم خطفُه وهو طفل على إثر غارة، وبيع في سوق الإستانة. وإنما اكتسبَ لقب " التونسي " من خلال طفولته وشبابه التي عاشهما في ربوع تونس، ومن هنا أضيف له لقب التونسي للتمييز.
* حياتُهُ العلمية
جامعة الزيتونة التونسية ساهمت في تكوين الشخصية الأدبية والفكرية والثقافية والعلمية لخير الدين، فاستقى منها المعارف والمعلومات القيمة، ومنها نال الحظ الوافر من العلوم الشرعية والدراسات الأدبية.
* مؤلفاتُهُ
- أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك
ـ دراسة الأسس التي قامت عليها المدنية الغربية
ـ مذكراتي الخاصة والسياسة
الوظائف التي تقلدها وقادها :
* جنرال
نظراً لإتقان خير الدين اللغات، ومن اللغة العربية والفرنسية والعثمانية، ما أتاح له الوصول لتبوء منصب قائد الخيالة في الجيش التونسي العثماني، حتى انتهى به المطاف لتعيينه برتبة " جنرال ".أحب الجيش التونسي خير الدين، وعمل على بنائه وتسليحه وتأمين التمويل لموازنته.
* وزيراً
وفي العام 1857 ونظراً لسلوكه الوطني الإبداعي، ولآدائه الحسن والتحسيني في صفوف الجيش،ما هيّأه ليكونَ وزيراً للحربية في الحكومة التونسية، فأدخل إصلاحات إدارية تنظيمية تفرضها الحالات وضرورة المآلات، فعقد الاتفاقيات مع الدول التي تحفظ سيادة البلاد وحقوق العباد، إضافة فقد أنشأ مصنعاً تجارياً لصناعة السُّفُن وصيانتها .
* رئيساً للجنة الرقابية
وفي العام 1871 م تم تعيينه رئيساً للجنة الرقابية على مالية الدولة، وهذا يدل على شهادة الحاكم والطبقة المؤثرة بأمانته وإنجازاته الملموسة، التي لا يُنكرها إلا ناكر أو حاسد ماكر.
* رئيساً لمجلس الوزراء
يقيناً فمنصب رئيس الوزارء يعتبر أرفعَ مقامٍ يصل إليه المواطنُ في تونس، فالسيرة الذاتية الاستثنائية التي تجسدت في سيرة ومسيرة خير الدين التي حنكتها التجارب وأصقلتها الخبرات والمعجونة بالتحديات والصعاب والقهر، قادته إلى الترقي في قيادة الجيش وتعيينه وزيراً ورئيساً للجنة الرقابية وصولاً إلى رئاسة مجلس الوزراء .
* علاقته بالسلطان والسلطنة العثمانية
الصيت الجميل لإنجازات خير الدين في السياسة والإدارة وصلت إلى مسامع السلطان عبد الحميد الثاني، فدعاه إلى اسطنبول في العام 1878، وعينه صدراً للدولة العثمانية، مستفيداً من المراحل التي حمى فيها تونس من الإفلاس المالي والانحطاط السياسي والفساد الإداري إلى حالة من الاستقرار والإصلاح العام للدولة والحكومة.
فأول إنجاز حققه عند استلام منصبه في الإستانة هو نجاحه في التوصل إلى حل دبلوماسي حول الحدود المتنازع عليها بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية، وذلك بحكم أصوله القوقازية وحنكته الدبلوماسية.
وفي العام 1879 استقال من منصبه، وبقي في اسطنبول حتى وفاته 1890،وفيها دُفِنَ، لكنّ السلطات التونسية وبناءً على طلب الرئيس الحبيب بورقيبة جلبت رفاتَه إلى تونس، كما طبعت صورته على العملة الورقية، وأصدر البريدُ التونسي عدة طوابعَ موشحةً بصورته.
المبحث الثاني : أفكارُه وآراؤُه
طريقته في التفكير :
اجتهد خير الدين أن يحذو حذو ابن خلدون وكثيرمن المؤلفين الذين سبقوه، من حيث طريقة تفكيره وكتاباته، فبفضلهم اتخذ مسلكاً مختلفاً للنهضة، وهو المعروف بالانفتاح والتجديد، جامعاً بين التأصيل والمعاصرة.
فابن خلدون وخير الدين ينتميان إلى تونس، وكلاهما وضعا كتابيهما بعد عزلة سياسية، وكلٌّ عالجَ على طريقته قضية نشوء الدول وسقوطها، إلاّ أنَّ الفارق فابن خلدون ركّز على الدول الإسلامية، وخير الدين أَولَى في كتاباته الحديثَ عن الدول الأوروبية وتركيبتها السياسية وقوتها العسكرية .
فخير الدين عُرفَ بنظرية التنظيمات الدنيوية، وربط التقدم بإصلاح النظام السياسي، وإقامته على دعامة العدل والحرية، وهذا الأمر يتحقق بتبني التنظيمات المشاهدَة والمجربة في الأمم الأوروبية .
يعتبر خير الدين أن الأمم الأوروبية تقدمت في العلوم والصناعات بسبب التنظيمات المؤسَّسسة على العدل والحرية، وهنا يؤكد دعوته على الانفتاح والاقتباس من التجربة الأوروبية.
ويرى أن هدف السياسة صناعة القوة الاقتصادية ( الثروة) والقوة العسكرية ( الشوكة)، وتوصّل إلى أن الأسباب التي أدَّت إلى انهيار الدولة الأموية والعباسية هي نفسها الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولة العثمانية ( الظلم، الفساد، الجهل،استقلال الولاة، الحروب الداخلية)
ودعا إلى وجوب التجديد وفقاً لمقتضيات الحال، بشرط أن يقوم على الإصلاح والصلاح والاعتدال والعدل.
وعرّفَ السياسة بأنها درء المفاسد وجلب المصالح، مشيراً إلى أن أهل الحل والعقد يمكن الاستغناء عنهم إذا كانوا أداةً بيد الحكام أو الملوك في ظل غياب القوانين الضابطة .
يدعم تجربة أهل الشرق بتجربة المغرب العربي، وهي تجربة تونس الإصلاحية بالقرن التاسع عشر، وذلك قبل سيطرة فرنسا عليها .
دعا إلى الانفتاح على العالم الغربي والأوروبي والأخذ بمناهج التقدم والتمدن الحديثة ووسائلها كضرورة ملحة للمسلمين، مع مراعاة أحوال الوقت في تنزيل الأحكام.
يؤكد خير الدين على الاستقلال السياسي والعسكري، وأن احتياج الدول العربية لغيرها مانع لاستقلالها ومُوهِنٌ لقوتها، وينعكس ذلك على الاستقلال العسكري.
وأعلى صوته بأنَّ المفسدة تكمن في إطلاق يد الملوك على الممالك( ظلم سياسي) من دون التقيد بقانون عقلي أو شرعي .
وهنا أسطر أبرز المحطات الفكرية التي اعتنقها وسار عليها وهي :
- أشاد بنظام الرأسمالية، ورأى فيه طريقاً يؤدي إلى النمو والازدهار والعمران
ـ ضرورة الأخذ بالمعارف وأسباب العمران الموجودة في أوروبا
ـ سعى في أطروحته التاريخية للإجابة عن السؤال الذي شغل بالَ رجال النهضة العرب وهو لماذا تقدّم الغربُ وتأخّر المسلمون ؟
ـ نستمد من النظم المدنية الغربية ما يصلحنا، ولا يرى تعارضاً بين الإسلام والحياة العصرية، أو بين النقل والعقل من خلال الطابع التوفيقي بين الأصالة من جهة والانفتاح من جهة أخرى.
ـ تدعو أفكارُه إلى التجديد والاجتهاد في الشريعة، بما ينسجم وملابسات العصر، مع الأخذ بمعارف الآخر الأوروبية، وبأسباب العمران والتقدم والرفاهية.
وقال : الإسلام لم يمنع أن يُقتَبَسَ الصالحُ من الأمر،حيث كان وممن كان، وأنْ نتخيّر منها ما هو لائق.
ـ خير الدين انطلق إلى المدنية الأوروبية من جذوره وهُويته الدينية.
ـ التسليم بحتمية التطور وضرورة الخروج من التخلف والدخول في الحداثة.
ـ يعتقد بأن الحرية شرط العمران، فيما الظلم ملازم لخرابه.
ـ مضاعفة الضرائب والفساد في تحصيلها وتوزيعها مقدمة للإفلاس
ـ العدل والحرية هما ركنا الدولة، وهما كانا في الدولة الإسلامية فأزْهَرَتْ، ثم فُقِدَا فذبُلَتْ، ولم يكونا في الدول الأوروبية فانتابَها الضَّعْفُ والفساد، ثم كانا فصَلُحَ حالُها، وقد بلغَ الغربُ مبلغَه بالتقدم العلمي في العلوم والصناعات واستخراج كنوز الأرض بعلوم الزراعة وكسب المال بعلوم التجارة.
فالعدل والحرية يتبعه عمران، فيما الظلم والاستبداد يتبعه الخراب.
أجمل ما قاله خير الدين : رجال الدين يعلمون الشريعة ولا يعلمون الدنيا، يريدون أن يطبقوا أحكام الدين بحذافيرها بغض النظر عما جدَّ واستُحْدِثَ، ورجال السياسة يعرفون الدنيا ولا يعرفون الدين،يريدون أن يطبقوا النظم الأوروبية بحذافيرها في غير رجوع إلى الدين، فنقول للأولين: اعرفوا الدنيا، وللآخرين : اعرفوا الدين.
المبحث الثالث : مؤلفاته وحركته الإصلاحية
بعد اعتزاله السياسة ومواقعها ألَّف كتابَه الشهير( أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك)، مقدماً فيه حلولاً عمليةً ليتعافى الرجل المريض( الدولة العثمانية) من علله السياسية والاقتصادية والثقافية، فكان همه سلك الوسائل التي أوصلت الممالك الأوروبية إلى ما هي عليه من المنعة، فالسلطة الدنيوية نتخير منها ما يكون لائقاً بحالنا لنصوص شريعتنا .
فخير الدين صُدِمَ ما عاينه من جمال الحضارة الأوروبية وما قارنه مع واقع العالم الإسلامي.
لكنه كان حذراً من سياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي فقال بأن الغرب يتظاهر بدعم وتشجيع حركات الإصلاح، ويعمل سراً على إحباطها، فكان كتابه ( أقوم المسالك...) بمعنى الإصلاحات الضرورية للدول الإسلامية .
قال بعض المؤلفين في السياسة : إنَّ الأمة التي لا تجاري جاراتِها في معداتِها الحربية، ونظمها العسكرية، تُوشِك أن تقع غنيمةً في أيديهم .
- مذكرات خير الدين باشا
تلك المذكرات حَوَتْ على الكثير من سيرة خير الدين، فالقيمة الوثائقية لمحتواها ضمت بين دفتيها معالم شخصيته الفكرية والإصلاحية والثقافية، خصوصاً المرحلة التي عاشها في تونس وتقلبه في سلطاتها الوزارية والمالية والرقابية والرئاسية، ومعاصرته لجولات الاستعمار الفرنسي للشرق، إضافة إلى موقفه من الأمبراطورية العثمانية والجمهورية الفرنسية.
* الحركة الإصلاحية لخير الدين التونسي
زكَّى الكثير أطروحات خير الدين التونسي كرجل الإصلاح المستنير، والقامة الوطنية المنفردة في عملية إنقاذ تونس من الإفلاس، فقادها إلى الحرية والعدالة والتطوير الإداري والسياسي، حتى اصْطُلِحَ بأنه أحد زعماء الإصلاح الإسلامي في العصر الحديث، فحركته انبثقت من اختلال الميزان التجاري في تونس، حيث كَثُرَ الواردُ وقلَّ الصادِر، وتغلب الفرنسيون والإيطاليون على السوق وأمسكوا بزمامه .
فالدافع والعوامل التي بلورت شخصيته الإصلاحية هي زياراته المتكررة إلى بلاد الغرب ومنها فرنسا، فقويَ عنده الحس والشعور الإصلاحي بصورة ضرورية لا تقبل النقاش، فانبهر بمظاهر التقدم الإداري الأوروبي في ميادين مختلفة ( سياسي، عمراني، اقتصادي،ثقافي).
* تشكل العقل الإصلاحي
النهضة التونسية نبتت على أرضية الفكر الإصلاحي لخير الدين، ففكرُه له مكانة مرموقة في الصرح الوطني التونسي، فخطابه ترميمي وأفكاره تفيد الديمومة، وحركته تسلط الضوء على مناطق العتمة، معتمداً على سياسة التفكيك والتركيب،وأن الوعي يُصنع داخل االمختبرات.
فرائد الإصلاح له مسارات وجملة أعمال وإنجازات وإخفاقات، فقد ناهض الحكم الاستبدادي القائم على الفردية سواء في تونس أو الإستانة، إلا أن تجربته وحركته الإصلاحية واجهت مقاومة شرسة داخلية وخارجية من قوى الفساد والاستعمار المبطن، لذا فشِل وأُفشِلَ.
* أبرز نتائج حركته الإصلاحية
ـ حدد رواتب ومخصصات رجالات الدولة بما ينسجم مع وضعية البلاد المالية المتأزمة، ومع فكرته القائلة: أنَّ مَن لا يقومَ بعملٍ ذهني أو عضلي ليس له في ذمة الدولة أجر أو دَيْن.
ـ بعدما وصلت تونس إلى حالة الإفلاس وباتت عاجزة عن أداء الرواتب للموظفين والجنود، قام خير الدين بتطهير الدولة من المفسدين فَعزلَ وغرّمَ، وأصلح النظام وقلص الضرائب وشجع على زراعة الزيتون والنخيل.
ـ أصلح التعليم
ـ أحدث مكتبة عامة
ـ حسَّنَ مطبعة العبدلي
ـ طوّر التعليم في جامع الزيتونة
ـ نظّمَ الجمرك، ورفع ضريبة الاستيراد وخفّضَ ضريبة الإصدار
ـ أنشأ سجلات الصادر والوارد حتى يَسهُلَ الرجوعُ إليه
ـ أصدر قوانين تنظم عمل الأوقاف، وأدار صرف الريع بكل أمانة ومسؤولية
ـ أنشأ مدرسة عصرية
ـ قانون تنظيم قطاع الزراعة
* فشل مشروعه الإصلاحي
هناك عوامل كثيرة أساسية أدت إلى فشل مشروعه الإصلاحي الذي سعى لتحقيقه، فشتان بين الصورة الحقيقة والصورة المسوَّقَة للمشهد السياسي والاقتصادي في عهده وما واجهه من صعوبات وتحديات من الطبقة المستفيدة من لوثة الفساد.
إلاّ أن عوامل بارزة لا يمكن تجاهلها أوصلت مشروعه إلى حائط مسدود، ومنها :
ـ عالم إسلامي يعاني من التخلف والانحطاط، ينخره الفسادُ السياسي والاستبداد
ـ عالم أوروبي تتحرك في ركابه حضارة مادية متطورة، ظهرت نتيجة ثورات صناعية وسياسية واجتماعية وفكرية .
ـ رفض التحديث الثقافي والاقتصادي،
تأييده التحديث العسكري بالطابع الأوروبي،( إن مواجهة الآلة العسكرية الأوروبية إنما تكون بآلة مماثلة لها ).
ـ الفشل سببه البيئة التونسية التي تنظر إلى الغرب على أنه الكافر، النصراني، العدو، فيما الغرب ساهم في منع الإصلاحات، تمهيداً لاحتلال تونس وتغلغله في السياسة والاقتصاد، ثم طلب الحماية واستعمارها .
فبتلك الخطوات الإصلاحية نقل البلادَ من الكرب والضيق والظلم والفوضى إلى حالة من الأمن والرخاء والضبط والنظام العام.
مات خير الدين رحمه الله عن نحو سبعين سنة، خلّف تاريخاً في الإصلاح حافلاً، وذنبه الوحيد أنه لم يجد من الشعب مناصراً، ولا من السلطان مؤازرة.
كان رحمه الله مصلحاً اجتماعياً من جنس مدحت باشا، إلاّ أن مدحت إذا عجز عن الإصلاح ثار ودبَّرَ انقلاباً، لكنّ خير الدين حين عجز عن الإصلاح رفع يديه إلى السماء قائلاً: اللهمَّ اشْهَدْ أني قد بلغتُ .
فرحمه الله قد أثقلته العديد من المسؤوليات، وهو يدرك أنه يتحرك في محيط غير مناسب، لذا لم يرضَ عنه رجال الدين ولا رجال السلطة، فعاش في عزلة أخرجته من عالم السياسة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.....................................................
المراجع :
https://www.hindawi.org/contributors
https://islamonline.net/archive
https://www.alquds.co.uk
https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2
https://alrai.com/article
https://arabicpost.live
https://www.aljazeera.net/encyclopedia
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرف على البحث الدكتور خالد كموني
المادة : الفلسفة العربية في القرن التاسعَ عشر
الشخصية المقترحة : خير الدين التونسي
الطالب صالح حامد - الجامعة اللبنانية
التاريخ: المنية في 14/1/2024
المصدر: الوسط اللبنانية ووكالات
|