| ||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||
آراء وقراءات | ||||||||||||||||||||||||||
|
سوريا وإعادة بناء النظام الجديد
الوسط اللبنانية | العدد التجريبي: 4417 | 09-01-2025 |
08:24
سوريا وإعادة بناء النظام الجديد صحيفة نداء الوطن – نجم الهاشم الشرع أمام خيارات تتراوح بين الحكم المركزي والتقسيم لا يشبه القصر الجمهوري في سوريا القصر الجمهوري في لبنان. ينتظر اللبنانيون أن تحسم جلسة 9 كانون الثاني هوية رئيس الجمهورية الرابع عشر الذي سيدخل قصر بعبدا، لتضاف صورته الرسمية على أحد جدران القصر إلى جانب صور 13 رئيساً توالوا على المنصب منذ عام 1943. في قصر المهاجرين في دمشق لا توجد لائحة لرؤساء الجمهورية السورية وكأنّ تاريخها بدأ مع حافظ الأسد عام 1970 واستُكمِل مع نجله بشار عام 2000. كل رئيس هناك، في بلاد الشام، كان يأتي ليمحو صورة من سبقه ويزيلها من على الجدران. جاء بشار ليكمل ما بدأه والده ولكنّه انتهى فاراً وهارباً في ليل 8 كانون الأول الذي غيّر تاريخ دمشق. فأشرق عليها يوم جديد وتاريخ جديد لا يشبه تاريخها الماضي. دخل أحمد الشرع إلى قصر المهاجرين بعدما كان الشعب السوري مزّق صور «قادته» السابقين وحطّم تماثيلهم، من حافظ إلى بشار إلى باسل وماهر وكل ما يرمز إلى هذه العائلة. الشرع في القصر دخل الشرع إلى القصر نظيفاً. لا يحمل صفة رئيس الجمهورية ولكنه يدير مرحلة انتقالية يتمتّع فيها بكامل السلطة بانتظار وضع دستور جديد بعد مؤتمر وطني موسع، ومسار يجب أن يكتمل بانتخابات نيابية ورئاسية وإعادة تكون للسلطة والمؤسسات الرسمية. وهو مسار إذا اكتمل يبقي الشرع في القصر كرئيس منتخب لأنّه يبقى المرشح الذي قد لا ينافسه مرشح جدّي آخر. وهكذا ترتفع صورته كأول رئيس للجمهورية السورية الجديدة، لأن الآمال السورية اليوم مبنية على القدرة على الخروج من عقلية النظام إلى عقلية الدولة. فهل ستكون الطريق آمنة لتشكيل هذه الدولة أم أنها ستكون نقلة من نظام إلى نظام ومن حكم الرجل الواحد إلى حكم الرجل الواحد الآخر؟ قبل حافظ الأسد قبل حافظ الأسد لم تحصل انتخابات جدية في سوريا لا نيابية ولا رئاسية. معه صار انتخابه يتجدّد بأكثرية شعبية لا تقلّ عن الـ99 في المئة. وريثه بشار لم يكسر هذه القاعدة، بقيت نسبة التصويت له نفسها. حكم والده 30 عاماً. وحكم هو 24 عاماً. كان حافظ الرئيس الوحيد الذي توفّى وهو في الحكم ودُفِن في مدفن خاص في مسقط رأسه القرداحة. بعد سقوط النظام الذي أسّسه نبش المستولون على السلطة قبره وأحرقوه. كأنّه انتقام متأخّر ممّن لم يستطيعوا أن ينتقموا منه حيّاً في بلاد قام الحكم فيها على انقلابات متتالية يتولّى فيها السلطة حاكم جديد على أنقاض حكم «بائد»، وقد لا يجد فيها بشار الابن مكاناً ليُدفن فيه. انقلاب ليس كالانقلابات لم يكن انقلاب الشرع انقلاباً عادياً فهو لا يشبه الانقلابات السابقة. كان الرئيس الأول للجمهورية السورية شكري القوتلي تولّى الرئاسة بعد انتخابه في مجلس النواب السوري عام 1943 قبل أن يُنتخب مرة ثانية عام 1947، وكانت سوريا كما لبنان بعد عام 1943 مرشحة لتكون دولة يمكن أن يتمّ تداول السلطة فيها بطريقة ديمقراطية، في ظلّ حياة سياسية برزت فيها أحزاب عديدة كـ «حزب الشعب» و»الحزب الوطني» و»حزب البعث العربي الإشتراكي» و»الحزب السوري القومي الإجتماعي» و»الحزب الشيوعي»… ولكن فجأة في 30 آذار 1949 خرجت دبابات الجيش السوري من ثكناتها ليستولي على السلطة رئيس أركان الجيش الزعيم حسني الزعيم. لتفتح بعد ذلك شهية الضباط على التكرار. كل الانقلابات التي حصلت في سوريا كانت عسكرية. وكلها كان يقودها ضابط رئيسي أو مجموعة من الضباط يتحالفون ثم ينقسمون، ويأتي غيرهم لينقلب عليهم، وكلّها كانت مدعومة من الخارج. هكذا صار الحكم في سوريا صناعة عسكرية. يتغيّر الحكّام والمنقلبون ولكن دائماً كانت تبقى المؤسسة العسكرية وإدارات الدولة. كان الجيش ولاءات متنوعة وقطاعات وثكنات ومناطق. وفي كل انقلاب كانت تحصل عملية تنظيف، ولكن الجيش كان يبقى. مع الانقلاب الأخير ضد بشار الأسد خرج الجيش من المعادلة. كان الانقلاب ضد الجيش الذي كان جيش النظام وموالياً له بالكامل. ولذلك ذهب هذا الجيش مع النظام. بعد هذا الانقلاب لن يكون باستطاعة أي جيش الخروج من الثكنات لتنفيذ انقلاب مضاد. سوريا المقسّمة أولاً كانت سوريا بعد الاستقلال مسرحاً للصراع على السلطة وساحة لصراع المحاور العربية والدولية. بين مصر قبل عبد الناصر ومعه، والمملكة العربية السعودية والأردن والعراق، مع النظام الملكي وبعده. وبين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية. ويمكن القول إن كل انقلاب كانت له وظيفة ومهمة تنتهي بانتهائه بالانقلاب عليه. صحيح أن حافظ الأسد صنع الانقلاب الأخير عام 1970 ولكنه كان انقلاباً دائماً على مفهوم الدولة وتداول السلطة والديمقراطية. أسّس نظاماً ولم يبنِ دولة. ولذلك انتهى هذا النظام بعد 54 عاماً وانتهى حكم آل الأسد، بحيث لم يعد هناك مكان للمؤسس حافظ تحت الأرض ولا لكل باقي العائلة فوق الأرض. فتشرّدوا ولم تعد سوريا تتّسِع لهم أحياء أو أمواتاً. كل ماضيهم بات عبئاً عليهم يلاحقهم كظلالهم. خرجوا من القصور إلى لعنة التاريخ. ربما كانت سلطات الانتداب الفرنسي أكثر من عرف حقيقة تكوين الشعب السوري وتركيبته. لذلك كانت فكرة تقسيم سوريا إلى أربع دول أكثر منطقية من هوية الدولة الواحدة. دولة كردية ودولة درزية ودولة علوية ودولة سنية. اليوم بعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، عادت سوريا لتنقسم بين عدة مكونات تكاد تكون دولاً مستقلة كما كانت. طوال تاريخها الحديث لم تعرف سوريا الاستقرار. حاول حافظ الأسد أن يعطي دوراً كبيراً لحكمه ولكن هذا الدور كان نتيجة وظيفة دولية أعطيت له. بعد اتفاقية الهدنة مع إسرائيل عام 1974 انصرف إلى التفرغ لحكم سوريا ومحاولة حكم لبنان بلا دبابات من دون دبابات انتقلت القوات التابعة لأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) والفصائل الأخرى المتحالفة معه، من إدلب إلى حلب وحماة وحمص ودمشق وطرطوس واللاذقية. انهار النظام بسرعة وانتهت صلاحيته وسقطت الضمانات الروسية والإيرانية التي أبقته حيّاً منذ عام 2011. عندما دخل الشرع إلى القصر الجمهوري لم تكن هناك أي صورة لا لحافظ الأسد ولا لابنه بشار على الجدران. سقطت صورة النظام بالكامل وداستها أقدام المنتصرين الجدد. صحيح أن النظام السابق انتهى فعلياً في 8 كانون الأول ولكنّه كان منتهياً قبل ذلك. كاد يسقط عام 2015 لولا التدخل الروسي. وبعد عام 2017 اعتقد أنه انتصر واجتاز مرحلة الخطر ولكنّه فعلياً لم يكن يسيطر إلا على جزء من سوريا. بقيت خارجه مناطق كثيرة. من إدلب إلى السويداء ودرعا إلى القامشلي ومنطقة الجزيرة في الشمال. دويلات كانت على صورة تقسيمات الانتداب. خيارات الشرع من قصر المهاجرين يحاول الشرع إعادة رسم خريطة جديدة لسوريا. لم يستطع أن يبقى في إدلب بقوته الذاتية. ولم يسيطر على دمشق بقوته الذاتية. قوة الدفع التي ساعدته كانت أكبر ومن مواقع عدة. إعادة بناء نظام جديد في سوريا تطرح علامات استفهام كثيرة حول القدرة على حكم سوريا وحول استحالة حكم دمشق من دون دعم خارجي ومن دون توافق داخلي. لذلك أمام الشرع عدة خيارات ليس وحده من يقرّرها: – إمّا أن يحكم سوريا وحده بقوة «الشرع»، وبالتالي أن يستفيد من المرحلة الانتقالية ليطوِّع باقي المناطق والمكونات الطائفية والقومية في حكم مركزي يكون تكراراً لحكم الأسد بأسماء مختلفة جديدة. – إمّا أن يذهب إلى نظام جديد يقوم على احترام التعددية وحقوق الأقليات، وبالتالي التوجه نحو «طائف سوري» يوزع السلطة والصلاحيات ويصل إلى حدّ نظام قريب من الفدرالية. – إمّا أن تذهب سوريا نحو الفوضى التي يمكن أن تؤدّي إلى عدم استقرار أمني وسياسي يكرّس التقسيم الفعلي على الأرض بين عدة دويلات: كردية ودرزية وعلوية وسنية. لذلك، ربما كان البدء ببناء النظام الجديد يقتضي الاعتراف بأن هناك تاريخاً لسوريا، وأنّ هناك رؤساء تعاقبوا على الحكم ولو بالانقلاب، وأن التاريخ لا يبدأ مع تاريخ 8 كانون الأول، لأنّه لم يبدأ أيضاً مع حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970. تاريخ سوريا كما تاريخ لبنان يجب أن يقوم على هوية الدولة ومسارها لا على هوية من يحكمها. هذا التحدي يواجهه لبنان أيضاً في استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية. فهل تنجح محاولة الخروج من الأزمة في جلسة 9 كانون الثاني مع رئيس يعكس أهمية التحول الحاصل في سوريا والمنطقة؟ رئيس يستعيد الدولة من الوصاية السورية ومن وصاية إيران و»حزب الله»؟ المصدر: الوسط اللبنانية ووكالات
|